الجمعة، 4 يوليو 2008

المقهى الأدبي :: خالد ::



المقهى هادىء نوعا ما ..

زبائن متفرقة ..

سوى مجموعة قليلة الأفراد من المثقفين يلتفون حول شخص مهيب ..

يتوج خصلاته السوداء بعض شعيرات بيضاء ..

ويبدو من لهجتهم أنهم ليسوا مصريين ..

وبالطبع ليسوا من رواد المقهى ..

اقتربت منهم اختلس السمع :-

الأول : أ . سميح القاسم .. نبغى نستمع منك إلى قصيدة قوية من قصايدك الجميلة

سميح القاسم : ايش تريد تسمع عزيزي ؟؟

الثاني : اي شي منك حلو ... بس ياريت تحكي قصة القصيدة !!!

------------
سميح القاسم : عيوني ... كنت شاب وكنت أتمشى دايم على أحد التلال قرب معسكر اسرائيلي مع صديقي محمود ..
عشنا مع بعض على صوت النار وصوت العصافير تغني على شجر الكروم اللي يزين منزل جدي .. اتربينا على الزي
العسكري وعلى زي البدوي اللي يرتديه أهل الديرة .. كل شيء .. الخوف والسكينة شكلوا وجدانا وأفكارنا

وكنت اقضي اليوم أنا وصديقي محمود مع بعض.. إلى اليوم اللي جا يودعني فيه .. قلت له على وين ؟؟

قال : نهاجر بيروت

قلت : وتسيب خويك هنا لمين ؟

قال : غصب عني .. أبوي يقول ما لنا عيش في ها الأرض

قلت : هذي الارض اللي اتربينا فيها كبرنا ولعبنا وتعبنا فيها

قال : الوداع يا سميح

ودعته وكنت خايف عليه و غضبان منه ...
------------

الثالث : بس انت يا أ. سميح كنت هتهاجر من فلسطين !!!
سميح القاسم : في يوم م الايام ... أبوي دخل علينا وقال يلا نبى نهاجر .. وحزمنا الحقايب والاثاث وجينا نرحل .. لكن جدي رفض

ومنعنا من الهجرة وقال انا بموت هني

الثالث : بس حضرتك برضو سافرت من فلسطين !!؟

سميح القاسم : خرجت برات فلسطين حتى اوصل صوتي للعالم .. حضرت مؤتمرات في جميع انحاء الوطن العربي ..
حتى احرك فيهم ضميرهم الميت

الثالث : زعلان من أستاذنا الشاعر محمود درويش ؟؟؟؟

سميح القاسم : لأ .. أبدا أبدا

كيف ازعل من خويي اللي يبي يشيل حجارة من القصيدة معي ويرميها على جنود الاحتلال ؟

لكن كنت اعتب عليه دايم

الأول : يقول أ. محمود درويش.. انه تعجب وهو داخل الارض المحتلة كيف تنهزم الجيوش العربية في 6 ايام؟

وعندما خرج الى الوطن العربي ... تعجب .. كيف صمدت 6 ايام !!

ايش رايك ؟؟

سميح القاسم : خروج محمود درويش افاد تجربته الشعرية .. وبقائي هنا .. افاد تجربتي ايضا

الثاني : وكيف عاتبت أ. محمود درويش يا أ. سميح ؟؟؟

سميح القاسم : عاتبته بقصيدة اسمها :: تغريبة :: بتاريخ 27-10-1982

الجميع : نبغى نسمعها منك


تغـريـبــة... إلـى محـمـود درويش



لبيروت وجهان

وجه لحيفا

و نحن صديقان

سجنا ومنفى

قطعنا بلادا وراء بلاد

و ها نحن ، في تعتعات الدوار

نعود

وزاد المعاد

عناق سريع بباب مطار

أكان اللقاء اعتذارا ؟

أكان الوداع فرارا؟

بدون كلام نمد اليدين

ويا ليل يا عين

لا الليل ليل

ولا العين عين



يفرقنا العالم اليعربي

ويجمعنا العالم الاجنبي

و نبقى أجانب في العالمين !

و يبقى الرحيل

مع الريح من منزل في الجليل

الى الريح

في فندق غامض

يعانق فيه القتيل القتيل

بدون سلام

بدون كلام

تقبّل في عنقي قلب َ أمك

" و ربّ أخ لك .."



ألقي بهمي على صدر همك

ونبكي ونضحك

في غربتين..

أتسألني كيف حالي

وأنت جوابُ السؤالِ



عذابي فله

و موتي قبله

بلا شفتين

ذهبتُ بعيدا

وعدت وحيدا

يتمتم فيّ عجوزُ حقود:

متى ؟ كيف ؟ أين ؟

متى ؟

كيف ؟

أين ؟


* * *


للندنَ وجهان

وجه لحيفا

ونحن رفيقان

خصما وإلفا

يؤرّخنا الحب والموت

في دفتر الارض

تغريبة للمهاجر

و تغريبة للوطن

ونفضي بأسرارنا للقباب

وننقش أحزاننا في القناطر

و نطلق من جرحنا عندليبا

يزلزل صمت الزمن

ونعجن بالدمع

خبزَ المجازر



أتذكر ضرعا شهياً

رضعناه دون شهيّة ؟

و زيتونة غادرتنا

كسائحة أجنبية ؟

و عاشقة

ما رحمنا هواها ،

و ظلت وفيّة ؟

أتذكر أيام جُعنا

معاً

و شبعنا

معاً

ثم جعنا

معا

و عشقنا

معا

ثم ضعنا ؟

سلام عليك

سلام عليّا

على الحب

يولد

ثم يموت

- سلام عليه -

و يُبعث حيّا ؟

لكل المغنين

أمّ حزينه

وكل مغن

مدينه

تنام

وفي قلبها نجمة

وتصحو

وفي جرحها ..غنغرينه ؟

ونحن ،

شروق الاغاريد كنّا

فهل سنكون

غروب الضغينه؟!

من" الرامة " الخائفه

إلى " البروة " السالفه

إلى دمعة بيننا واقفه

تقوم على الرمل دنيا

و تسقط في الوحل دنيا

و أعداؤنا

لعنةُ

يُحجم الموت

وهي على رسلها زاحفه


و أنصارنا

عملة زائفه

فماذا عساني أفعل وحدي

وماذا ستفعل وحدك

وقد صار لحديَ مهدي

و مهدك لحدك

أأنشد عنك

وتنشد عني

لصحراء قاحلة قاحلة

يموت على ساعديها المغني

وتتركه خلفهما القافله ؟



أتخرج حورية البحر

من صدف القاع

أم أوصدَ البحر أسراره

و انتهينا ،

نتمتم سخطاً :

متى ؟

كيف ؟

أين ؟!



تساءلت في ساعة القصف

هل أدركته القذائف

مكباً على نبأ في جريدة ؟

و هل أخطاته القذائف

ليشرب كاساً جديدة

و يودع لوعته في قصيدة !

تساءلت : كيف هو الآن

غضبان

جوعان

بردان

خائف ؟

وهل فاجأته القذائف ؟

وهل أمهلته القذائف ؟



و أدنيتُ كفي لوجهك

حاولت أن ألمسه على شاشة التلفزيون

في ضوء قنبلة مشمسه

و كانت قربك جثة طفله

على وجهها وجه حبّي " محمد "

و " وضّاح " يزعق رعبا

على شاشة التلفزيون

يزعق رعبا

و يجذب زند " عمر "

لعل ملاذاً ببعض الحُفر



و متًّ

و متًّ

ومات البشر

جميع البشر

ومات القمر

وراحت تكفنه الريح سراً

و تدفنه في هشيم الشجر

ولم يبقَ من عالم الله والناس

الا خبر

شظايا خبر !

و كانت بقربك جثه

الى جنب جثه

و في القلب جثه

وما كان بالقرب مني

سوى دمع عيني

" و ربّ أخِ .."


***

لباريس وجهان

وجه لحيفا

ونحن شقيقان

حِلماً و سُخفا

وتعرف قلبي

و تعرف حزني

ووردة حبي

وخيبة ظني

و تبصر بيتك في وهج صوتي

و أسمع صوتك

في صمت بيتي

" وربّ أخ ٍ لك .."

فكّرت فيك

ولم يبقَ في الأرض

غير الذين

يحبوننا ميّتين

وإن قدر الله حسن النوايا

فقد يقبلون بنا لاجئين

و مستضعفين

و مستنزفين

وفكرت فيك

و فكرت فيّ

لأن الشهيد

صديق وفيّ !


* * *

لبيروت وجهان

وجه لحيفا

ونحن صديقان

سجنا ومنفى


***

للندن وجهان

وجه لحيفا

ونحن رفيقان

حبا وخوفا



لباريس وجهان

وجه لحيفا

ونحن شقيقان

قمعا وعسفا



لتونس وجهان

وجه لحيفا

ونحن غريبان

نحن غريبان

نحن غريبان

ما من زمان

وما من مكان

لماذا ؟ لماذا ؟

و أين ؟

و كيفا ؟

ووجه ... لحيفا


تمت

هناك 8 تعليقات:

HaNoDa يقول...

جميييييييييله طبعا كالعاده ..

تسلموا يارب دايما ..

Dr.3ola يقول...

رائعة بكل المقاييس
صيغة واختيارا
دمت متألق يا دكتور خالد

evenin_myheart يقول...

انا داخله اسجل اعجابي بيها معاكو

بجد اسلوب وطريقه سردولا اروع

تسلم ايدك د خالد

صيدلانيه علي ما تفرج يقول...

بجد هايله يا خالد

بجد انت فاجئتنا بروعه القصيده وبالعرض بتاعها
تسلم ايدك عليها

Rehab يقول...

راااااااائع جدا
اختيار رائع !

غير معرف يقول...

ممتازة لابعد الحدود
بارك الله في قلمك :)



MarmoRa

DR_rana يقول...

دكتور خالد حقيقى البوست اكتر من الرائع وطريقه العرض جميله
وكذلك الاختيار رائع

اسفه على التاخير كنت اتمنى ردى يوصل بدرى شويه لكن النت مطلع عينى :)

salmagad يقول...

السلام عليكم
رائعه جدا يادكتور خالد والله فيها احساس كده
بس طويله شويتين علينا
بس طبعا الجميل ان القاريء مش ممكن يتفلت منك في كلماتك
دمتم متالقين